فصل: وفاة قريش بن بدران وولاية ابنه مسلم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة قريش بن بدران وولاية ابنه مسلم.

ثم توفي قريش بن بدران سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ودفن بنصيبين وجاء فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من دارا وجمع بني عقيل على ابنه أبي المكارم مسلم بن قريش قولوه عليهم واستقام أمره وأقطعه السلطان سنة ثمان وخمسين الأنبار وهيت وحريم والسنن والبواريح ووصل إلى بغداد فركب الوزير ابن جهير في المركب للقائه ثم سار سنة ستين وأربعمائة إلى الرحبة فقاتل بها بني كلاب وهم في طاعة المستنصر العلوي فهزمهم وأخذ أسلابهم وبعث بأشلائهم وعليها سمات العلوية فطيف بها منكسة ببغداد.

.استيلاء مسلم بن قريش على حلب.

وفي سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة سار شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل إلى مدينة حلب فحاصرها ثم أفرج عنها فحاصرها تتش بن ألبارسلان وقد كان ملك الشام سنة إحدى وسبعين قبلها فأقام عليها أياما ثم أفرج عنها وملك بزاغة والبيرة وبعث أهل حلب إلى مسلم بن قريش بأن يمكنوه من بلدهم ورئيسها يومئذ ابن الحسين العباسي فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك فترصد لهم بعض التركمان وهو صاحب حصن بنواحها وأقام كذلك أياما حتى صادف ابن الحسين يتصيد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن قريش فأطلقه على أن يسلموا له البلد فلما عاد إلى البلد تمم له ذلك وسلم له البلد فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة واستنزل منها سابغا ووثابا ابني محمد بن مرداس وبعث ابنه إبراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك حلب وسأل أن يقدر عليه ضمانه فأجابه السلطان إلى ذلك وأقطع ابنه محمدا مدينة بالس ثم ساره مسلم إلى حران وأخذها من بني وثاب النميريين وأطاعه صاحب الرها ونقش السكة باسمه.

.حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه.

وفي سنة ست وسبعين وأربعمائة سار شرف الدولة إلى دمشق فحاصرها وصاحبها تتش فخرج في عسكره وهزم مسلم بن قريش فارتحل عنها راجعا إلى بلاده وقد كان استمد أهل مصر فلم يمدوه وبلغه الخبر بأن أهل حران نقضوا الطاعة وأن ابن عطية وقاضها ابن حلية عازمون على تسليم البلد للترك فبادر إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة وحاصر حران وخرب أسوارها واقتحمها عنوة وقتل القاضي وابنه.

.حرب ابن جهير مع مسلم بن قريش واستيلاؤه على الموصل ثم عودها إليه.

كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن أحمد بن جهير من أهل الموصل واتصل بخدمة بني المقلد ثم استوحش من قريش بن بدران واستجار ببعض رؤساء بني عقيل فأجاروه منه ومضى إلى حلب فاستوزره معز الدولة أبو ثمال بن صالح ثم فارقه إلى نصير الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح محمد بن منصور بن دارس استدعاه للوزارة فتحيل في المسير إلى بغداد واتبعه ابن مروان فلم يدركه ولما وصل إلى بغداد استوزره القائم سنة أربع وخمسين وأربعمائة وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء واستمرت وزارته وتخللها العزل في بعض المرات إلى أن مات القائم وولي المقتدي وصارت السلطنة إلى ملك شاه فعزله المقتدي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة بشكوى نظام الملك إلى الخليفة به وسؤاله عزله فعزله وسار ابنه عميد الدولة إلى نظام الملك بأصفهان واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدي فأعاد ابنه عميد الدولة ثم عزله سنة ست وسبعين وأربعمائة فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى المقتدي بتخلية سبيل بني جهير إليه فوفدوا عليه بأصفهان ولقوا منه مبرة وتكرمة وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكر وبعث معه العساكر وأمره أن يأخذ البلاد من ابن مروان وأن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة كذلك فسار لذلك وتوسط ديار بكر ثم أردفه السلطان سنة سبع وسبعين وأربعمائة بالعساكر مع الأمير أرتق جد الملوك بماردين لهذا العهد وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه بعث إلى شرف الدولة مسلم بن قريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد وفخر الدولة بنواحيها وقد ارتاب من اجتماع العرب على نصرة ابن مروان ففتر عزمه عن لقائهم وسارت عساكر الترك الذين معه فصبحوا العرب في أحيائهم فانهزموا وغنموا أموالهم ومواشيهم ونجا شرف الدولة إلى آمد وحاصره فخر الدولة فيمن معه من العساكر وبعث مسلم بن قريش إلى الأمير أرتق يقضي عنه في الخروج من آمد على مال بذله له فأغضى له وخرج إلى الرقة وسار أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد ابن مروان لحصارها ففارقه بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة إلى العراق وسار ابن جهير إلى خلاط وكان السلطان ملك شاه لما بلغه انحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد الدولة آقسنقر جد الملك العادل محمود في عساكر الترك ولقيم الأمير أرتق في طريقهم سائرا إلى العراق فعاد معهم وجاؤا إلى الموصل فملكوها وسار السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش وانتهى إلى البواريح وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمد ووصل إلى الرحبة وقد ملكت عليه الموصل وذهبت أمواله فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك فتوسل به فتقبل وسيلته وأذن له في الوصول إلى السلطان بعد أن أعطاه من العهد ما رضي به وسار مسلم بن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان وقدم هدية فاخرة من الخيل وغيرها ومن جملتها فرسه الذي نجا عليه وكان لا يجارى فوقع من السلطان موقعا وصالحه وأقره على بلاده فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى ما كان بسبيله.